نبذة عن الكتاب

هذه القرية الصعيرة المنسية بفضائها المطل على قمم الجبال الصخرية في الأعلى والسهل الممتد في الأسفل ومنحدر مجرى نهر قويق الضحل وسكة القطار بقضبانها الفولاذية التي تمتد بلا نهاية هي عالمي النقي الذي شهد دهشتي الأولى ، عندما طلعت شمسه وأنارت الكون بضيائها . تلك الدهشة التي لازمتني بقية عمري في كل صباح جديد في عين الرمان حيث عشت طفولة بريئة لاهية لاتعرف من هموم الدنيا شيئاً ولكن عندما كبرت تبين لي أن أهل عين الرمان عموماً لم يكونوا يعرفون الهموم بمعناها الممض الثقيل ، فحياتهم بسيطة للغاية و طموحاتهم متواضعة واطماع الواحد منهم اصغر من حبة لوز أخضر وطيبون لدرجة الغفلة . وأما المصدر الرئيسي للقلق فلم يكن يتجاوز حدود الحقل ومحصوله من الحنطة المتروك أمرها في جميع الأحوال الى الله ثم المطر . ناس بسطاء الى الحد الذي لم يخطر على بالهم ولا للحظة أن يفكروا بأن هناك عالم خارجي مختلف عنهم بكل شيء وكأن الدنيا كلها عين الرمان فقط . . و عين الرمان هذه لم تكن تبعد عن حلب كثيراً ومع ذلك كانت تفتقر الى معظم الخدمات الأساسية التي تتوفر في المدينة فلا مدارس ،ولا هاتف ، ولا ماء ، ولا مصباح كهربائي كما في بيت صديقتي الفلسطينية التي تعيش مع اهلها في المخيم الذي تنتشر بيوته على سفح الجبل فأهل المخيم وفرت لهم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين : الماء ، والكهرباء ، والمدارس المخصصة للإناث وتلك المخصصة للذكور . وبفضل رغبة مخلصة من المديرة - الأنسة فدوى قدري- لنشر التعليم بين بنات الفلاحين وافق أبي على التحاقي بالمدرسة وقبلت في الصف الاول الابتدائي على اعتبار أننا فلاحون سوريون فقراء .

.