نبذة عن الكتاب

وقعت هذه الأحداث الغريبة، التي هي موضوع القصة، عام ؟194 في وهران. وقد رأى الناس، أن تلك الأحداث التي تخرج بعض الشيء عن المألوف، لم تقع في المكان المناسب. وفي الواقع، فإن وهران هي، للوهلة الأولى، مدينة عادية، وهي ليست أكثر من مقاطعة فرنسية على الشاطئ الجزائري .
وعلينا الاعتراف بأن المدينة في حد ذاتها قبيحة المنظر. ونظراً لمنظرها الهادئ، فلا بد من بعض الوقت لملاحظة ما يجعلها مختلفة عن كثير من المدن التجارية، على المستويات جميعها؛ إذ كيف يمكن، مثلاً، تصور مدينة لا يوجد فيها حمام ولا أشجار ولا حدائق، ولا تسمع فيها خفقات أجنحة ولا حفيف أوراق؟ وباختصار كيف لنا أن نتصور مكاناً لا شيء فيه يثير الفضول؟ إن السماء وحدها هي التي تنبئ بتغير الفصول؛ إذ لا ينبئ عن الربيع هناك إلا طبيعة النسيم أو سلال الزهور التي يجلبها الباعة الصغار من الضواحي. إنه ربيع يباع في الأسواق. وأثناء الصيف، تكاد الشمس تحرق البيوت المفرطة في الجفاف، وتغطي الجدران برمادٍ داكن، فلا يمكن للسكان العيش إذ ذاك إلا خلف أبوابهم المغلقة. وأما في الخريف، فالأمر على النقيض، يجتاح المدينة فيض من الوحل، وتحلّ الأيام الجميلة في الشتاء فحسب. هناك طريقة يسيرة للتعرف على مدينة ما : هي أن نعرف كيف يعمل الناس فيها، وكيف يحبون، وكيف يموتون. في مدينتنا الصغيرة، كل ذلك يحدث معاً، بطريقة واحدة، عصبية، ولعل ذلك يجري بتأثير الجو .