نبذة عن الكتاب

لم نكن نعلم بما يدور من حولنا حتى ساقتنا أقدارنا إلى مبنى البريد لإرسال بعض الرسائل، وبعد أن ألصقت عليها الطوابع، ناولتها لموظف البريد . بدأت أنظر بوعي إلى من حولي, فلاحظت حركة غير عادية ولاحظت أن هناك سحنة يتفوق وجودها على غيرها, وهو ما زاد الأمر غرابة وملأتني فضولاً حدا بعنقي أن يقذف برأسي على الطاولة التي يجتمعون حولها، وتَلَفَّتُ يميناً ويساراً فاستوعبت الأمر وأدركت أهمية أن أضغط على أعصابي أكثر وألملم أطراف خجلي وأوثقهما, ثم أسألهم إن كان بمقدوري الحصول على الأداة التي تمكّنني من القيام بذلك العمل, وكنت في صراع ما بين إلحاح الحال للسؤال, وما بين ندى الجبين المهراق جراء التطفل, فجاء الجواب سريعاً من الواقع الذي عضّني بأنياب بؤسه فجعلني أقفز على الطاولة متسائلاً : هل يمكنني الحصول على الأداة أيها السادة؟ فجاء الجواب كالمنشفة التي مسحت كل قطرات الحياء المهراق, فما إن مكّنت الوسيلة حتى ذهبت أبحث عن كل حيلة للحصول على أفضل النتائج المأمولة, فجهّزت بعد أن سألت عن إمكانية ذلك في اليومين التاليين, جهزت في اليوم الأول ثم الثاني, وبدأ العمل داخل مبنى البريد مثل خلية النحل, هذا يعطي الطوابع وذاك يختم المظاريف والرسائل وذلك يأخذ محتويات السلة ويفرغها في كيس استعداداً لإرسالها عبر قنواتها الطويلة . أما المستخدمون فكانوا مجموعات كل مجموعة متحلّقة حول طاولة وكأنهم جراحون في غرف العمليات, وآخرون داخلون خارجون ونحن نحاول إكمال مهمتنا .. أعطني المقص قال : ناولني القلم .. ضع الطابع .. هات القلم .. شريط لاصق .. تأكد من البيانات .. لا تنس التوقيع .. اسم العائلة .. اكتب بخط واضح .. الخ، بقي خمس دقائق ويغلق مبنى البريد .. إنهم دقيقون في دوامهم خاصة قسم الإرسال .. "أسرع, اليوم هو آخر فرصة ولن نتمكن من فرصتنا إن لم ننجز الآن .. بقي دقيقتان"